هل وضعت معركة التنمية أوزارها؟
د. مسفر القحطاني
زوار : 1239  -   7/2/2007
 
  تعرضت بلادنا وبعض البلاد الإسلامية إلى هجمات إرهابيّة عنيفة شكّلت نوعاً من القلاقل والفتن الداخليّة، وحرّكت الكثير من السكون و الركود في مياه الاستقرار الاجتماعي والثقافي, أدّت هذه المواجهات إلى زيادة الاحتياطات الأمنية وتكثيف الروادع العقابية للقضاء على هذه الفئات المتطرفة. ووقفت الوحدة الوطنية صفًّا رادعاً أمام هذه التحديات وأعلن الجميع تضامنهم ضد الإرهاب.. فانتقلنا من مرحلة صدّ الهجوم المباغت إلى الالتفات لمرحلة تحصين  الثغور الفكرية والأمنية التي سبّبت هذا التطرف وأجّجت نار الإرهاب المسلح.
وهذه المرحلة هي في غاية الأهمية؛ لأنها تحتاج إلى نظر من أعلى تسمح بمشاهدة كل أسباب المشكلة، وتتلمس كل الأبعاد الأخرى لها ولو كانت بعيدة أو لم يُسلّط عليها الضوء الكافي من الإعلام والاهتمام السياسي, كما تتطلب هذه المرحلة هدوءًا نفسيًّا يختلف عن توترات أرض المعركة وصخبها المدوّي لنستطيع تقييم تجربتنا الماضية وأخطائنا الفائتة، وننظر إلى واقعنا بعيداً عن العواطف اللاهبة، وردود الأفعال المنعكسة لنبدأ بكل ثقة وإخلاص العمل لمرحلة وضع الخطط و الاستراتيجيات التنموية الشاملة والمتكاملة لمجتمعنا المأزوم.
إن مرحلة الاهتمام بالمستقبل هي خيارنا الوحيد من أجل النجاة من أخطار التخلف والتبعية والدونية الحضارية التي لا تقل ضرراً وخطراً عن الإرهاب والعنف المسلّح،  أما المراوحة في أماكننا لنعلن فقط انتصارنا في معركة واحدة ومن نوع واحد فقط ونغفل عن الميادين الأخرى؛ فلن يؤدي بنا هذا الوقوف إلا إلى النكوص والرجوع إلى الوراء. إن هذا التحدي التنموي العظيم هو الذي يجب أن نفقهه ونحتاج إلى حشد الرأي العام من أجله واستنفار كل الطاقات للقيام بكاهله وحمله الثقيل, فنحن أمام مفترق طرق لميادين شتّى من التحديات الفكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية تجعلنا لا نضع أبداً خوذة الحرب وعدة القتال؛ لأننا في عالم اليوم نعيش معركة التنافس من أجل البقاء, والحرب يملك أسلحتها الأقوياء فلا مكان للضعفاء والبسطاء مهما كانت عواطف الشفقة نحوهم جياشة وصادقة.
وللتأكيد على ما مضى, فقد أعدت دار (لا فوزيل) في فرنسا قبل عدة سنوات موسوعة الحركات الإرهابية. وجاء في الموسوعة أن نسبة الجرائم الإرهابية في القارة الأمريكية وحدها تعدل 80% أما نسبتها في أوروبا فهي 11%, وأما الـ9% الباقية فهي موزعة على بقية دول العالم .(جريدة الوطن عدد1255).
إن حظ العالم الإسلامي من نسبة جرائم الإرهاب لا يُقارن مع دول العالم الأخرى بل الكبرى؛ فمع وجود هذه الجماعات الإرهابية والمليشيات المسلحة والتي تتجاوز الآلاف في الولايات المتحدة الأمريكية -على سبيل المثال- لم تتوقف مسيرة التنمية والبناء لديهم، ولم يشغل حرب هذه الجماعات المتطرفة أهدافهم المستقبلية الأخرى, وعندما تحدث مشكلة تهدّد التنمية لديهم تتم دراستها من خلال مراكز متخصصة ومستقلة تنظر إلى كل المشكلات من أعلى، ومن كل الزوايا المحتملة؛ ففي التسعينيّات الميلادية الماضية رأى الأمريكيون أن الصادرات اليابانية غزت الأسواق وبدأت تهدد المنتجات المحلية؛ فكانت نتائج دراسة تلك المشكلة تقتضي العودة إلى تغيير وتطوير المناهج الدراسية في التعليم الأمريكي، والتزمت الجهات المسؤولة بتنفيذ قراراتها!.
ولا نبتعد كثيراً عن التجربة الماليزية، فالتنوع السكاني العرقي والديني والتأزم التاريخي الذي وقع بين تلك الطوائف السكانية في عقود مضت لم يعالج إلا من خلال الاندماج الكلي في التنمية وسياسة الهدف الاستراتيجي (2020)، والذي يعني أن تصل ماليزيا في عام 2020م إلى مصاف الدول الصناعية العشر الكبرى في العالم. ولما حدثت الكارثة الاقتصادية 1996م كان مؤشر التنمية الاقتصادي في ماليزيا أكثر من 8% في أول العام، وبعد أربعة أشهر من الكارثة يقول مهاتير محمد: كنا نخشى من شبح المجاعة!.. إن هذا التحدي كان محكاً هامًّا و اختباراً حقيقيًّا لكل مؤسسات المجتمع الحكومية والأهلية لمعرفة مدى انتمائهم للوطن وتضحيتهم من أجله والتناغم والتكامل والمرونة في حل مشكلاتهم, فلم تمض سنوات قليلة حتى استردّ الاقتصاد الماليزي عافيته، وبدأ النمر الآسيوي ينمو من جديد وبمخالب أكثر شراسة, وأعتقد أن النمر الآسيوي لم يأنف أن يتعلّم أهمية العمل والتنظيم وروح الفريق وعِظم التضحية والإيثار من مدرسة النحل! تلك المملكة الصغيرة والحقيرة في أعيننا ما زالت تصنع أعظم الحضارات المدنية في العالم, اقرأ إن شئت بعد آية النحل :(.. إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون)!.
 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. سارة بنت عبدالمحسن بن جلوي