لا أريكم إلا ما أرى
د. سارة بنت عبدالمحسن
زوار : 1194  -   7/2/2007
 
 

يتحدثون عن عالم متحضر ، يّدعي التقدم ، ويعيش ألفية السلام ، ويرنو إلى ثقافة راقية ، تتحاور فيها الحضارات ، وتتقارب فيها الأديان ، في كوكب شعاره المحبة والأمن والسلام ، تسوده العدالة ، ويحترم فيه الإنسان الإنسان .
     مقولات رائعة ، وعبارات جميلة منتقاة ، ترددها المؤتمرات ، وتنادي بها الشعارات .
     ولكن .. في خضم هذه الادعاءات جميعها ، تطالعنا الولايات المتحدة الأمريكية التي سئمت من لعبة حارس الأمن ، والقوة العظمى وزعيمة الحضارة فقررت أن ترتقي بمنصبها لتمارس لعبة جديدةً تنصب نفسهـا فيها رباً لهـذا العالم مرددة مقولـة فرعون ( أنا ربكم الأعلى) (النازعات: 24) ( ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) (غافر : 29) ، فتسن ما تشاء من التشريعات ، وتقنن ما يناسبها من القوانين ، وتحارب من لا يعجبها، وتقتل من يزعجها ، وتسعى لإعادة صياغة العالم وفق الرؤى الخاصة بها فكرياً ، وثقافياً ، وحضارياً ، يرضيها من أطاع ودخل في زمرة القطيع ، أما من تردد وعصى فقد حل عليه غضبها وسخطها فاستبيحت أرضه وأبيح دمه !؟
 فعلاً إنه عالم متحضر ، يقوده زمرة ممن تحقق فيهم قوله تعالى ( كلا إن الإنسان ليطغى . أن راءه استغنى ) ( العلق : 6-7) ، تطالعنا أمريكا كل يوم بتصريح جديد ، أو خطة مقترحة ، أو مبادرة معلنة تعددت الأسماء ولكن المضمون واحد ، إنه هدف قديم يتجدد وفق متطلبات الظروف المختلقة ، والأوضاع المركبـة من أجـل الوصول إليه . فمن " مبادرة من أجل الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية " تهدف إلى " وضع الولايات المتحدة بقوة إلى جانب التغيير والإصلاح وإلى جانب مستقبل حداثة الشرق الأوسط " وذلك بالتركيز على محاور ثلاثة : إصلاح الاقتصاد ، الانفتاح السياسي والاجتماعي وبخاصة التركيز على المرأة، والتربية والتعليم ، حيث ستسعى إلى ترقية برامج التعليم ومحو الأمية وإعداد أجيال عربية متعلمة خلال ثمانية أعوام ، وأنها ـ أمريكا ـ تسعى إلى دعم برامج تربوية موجهة للنساء لتعزيز دورهـن في المجتمع " وذلك عن طريق دعم التعليم ، وكليات البنات ، والجمعيات الخيرية النسائية " ، وإصدار ترجمة عربية لكتب العلوم السياسية والاقتصادية الأمريكية . كل ذلك لأن أمريكـا كما يقول بيرنز : ( أن واشنطن أقلقها التقرير الأخير للأمم المتحدة الخاص بالعالم العربي ) وأنها بعد ما سمعت أصواتاً مختلفة تأتي من المنطقة ( قررت أن تصغي جيداً لأن التحديـات كبيرة والقضايا مهمة ) .
 ترى صوت من هو الذي وصل إليهم ؟؟  قطعاً أنه صوت صهاينة بني إسرائيل الذين يريدون ضمان أمنهم وسلامهم واتساع رقعة أرضهم لبناء مملكة سليمان الكبرى من خلال تغيير خارطة الدول العربية والإسلامية جغرافياً وسياسياً وحضارياً ، وهــو ما تطرق إليـه " لوران مورافيش " المحلل فـي مؤسسـة " رانـد للدراسـات " فـي تقريــره المعنون بـ: " الاستراتيجية الكبرى للشرق الأوسط " والذي قدم للبنتاغون وتناول ضرورة إحداث التغيرات في المنطقة بحيث يكون ( العراق هو المحور التكتيكي ، والسعودية هي المحور الاستراتيجي، ومصر هي الجائزة ) . إن الحرب ضد العراق ليس المقصود بها إسقاط النظام الحاكم فيها ، ولكنه الوصول إلى قلب الجزيرة إلى السعودية التي يرون فيها الخطر الأكبر أو كما يسميها بعض المسؤولين اليهود " بالطاغوت الذي يظهر بصورة دولة ممولة وداعمة للإرهاب " !
 إن هذا كله يوضحه التصريح الأخير لكولن باول عندما ذكر ( إنه في الوقت الذي يحترم فيه الثقافة السعودية فإنه يجب على المملكة العربية السعودية أن تعيد النظر في تقاليدها وممارساتها بهدف معرفة إن كـان التغيير ممكناً ) وإنه ( في الوقت الذي لن تملي فيه الولايات المتحدة التغيير على السعوديين ، فإنها ترغب في التأثير على كيفية إجراء مثل هذه الإصلاحات لأن بعضها قد يكون أفضل من بعض  ) .
أفضل لمن ؟ تساؤل تجيب عنه مجريات الأحداث المتسارعة ، أي تناقض هذا ! كيف يجمع بين احترام الثقافة ووجوب تغيير عادات وتقاليد أصحابها ، والسعي إلى التأثير في ذلك! إنه التأثير بمنطق القوة ومفهومها ، وزعزعة الكيان من داخله ، وتفجير بؤر صراع داخل الجسد الواحد بين أفراد الشعب نفسه ، وبينه وبين القيادة فيسهل التسلل واختراق الحصون من الداخل ومن ثم تدميرها .
أي تلاعب في المصطلحات هذا ؟ .. وأي إستغفال للعقول هو ؟؟

 وللحديث بقية... 
 

آخر الكلام ..
لقد ولى زمن التقاعس ، والاسترخاء ، والانشغال بالذات ومصالحها الشخصية .    وآن أوان العمل الجاد ، والوعي العميق والبحث عن مصلحة الوطن والدين والأمة .

 

 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د.مسفر بن علي القحطاني