حقوق الإنسان..مصطلح هلامي المفهوم
د. سارة بنت عبدالمحسن
زوار : 1281  -   7/2/2007
 
 

الإنسان .. حقوق الإنسان .. حرية الإنسان .. كرامة الإنسان .. كيان الإنسان .. احترام ذاتية الإنسان .. تحقيق وجوده الشخصي .. وغيرها كثير ..
      عبارات جميلة ، ومصطلحات براقة ، تنادي بها طروحات حضارة العولمة ، وترفعها شعارات للاستهلاك العام .. تخطف بها أبصار المضطهدين ، وتسلب بها ألباب المقهورين ، وترسمها جنات في أحلام الشعوب المطحونة التي يغتالها الجوع ، ويصرعها العطش ، وتدمرها الحروب ، ويمزقها العري والضياع .

 حقوق الإنسان .. مفهوم هلامي الشكل .. متغير المضمون .. يتبدل بتبدل المصالح .. ويتغير بتغير المكان ، والزمان ، ونوعية الاحتياج ، ومتطلبات سوق العصر ، وأبجديات لغة الانفتاح ، وعولمة الاقتصاد والثقافة ، ومستلزمات سياسات الدول الكبرى .
 عالم يدمر الإنسان باسم حقوق الإنسان .. تلك الحقوق التي يحدد ملامحها ، ويرسم أبعادها الكبار في لعبتهم للسيطرة على العالم ، وإعادة صياغة المفهومات ، وترسيخ القيم ، وفرضها على الشعوب المقهورة .
     ألسنا في عصر العولمة ، وزمن الانفتاح ..؟! فلتعولم حقوق الإنسان ، وتحدد مفهوماتها، ولترسم أبعاد حرية الإنسان وكرامته ، وأسباب سعادته وأمنه وفق أحدث مبتكرات مفهوم (حقوق الإنسان) .. والتي تطالعنا في كل يوم بمفهوم جديد .. فلنتأمل معاً عبقرية الإنسان في تحديد معنى ( حقوق الإنسان ) ..

ـ  الشذوذ الجماعي .. حق إنساني !!
 قررت المحكمة الأوروبية العليا لحقوق الإنسان في 31/7/2000م إن ممارسة الشذوذ الجماعي ليس انتهاكاً للقانون طالما تم برضا الأطراف جميعها ، ذلك أن في تحريمه وتجريم فاعله انتهاكاً لحقوق الإنسان واحترام حياته الشخصية .
مطالبة بضرورة تغيير القوانين الخاصة بعقوبات الاعتداءات الجنسية ، وممارسة الجنس الجماعي  ـ  وإن كان شذوذاً ـ ، وإتاحة الجنس بشكل عام ، وإلغاء تحديــد سن 18 عاماً
لممارسة الشذوذ ، أو الجنس الجماعي .. ـ انتهى الخبر الذي بث في نشرات الأخبار الرئيسة في الدول الأوروبية .
ذلك كله من أجل الإنسان .. واحترام حقوق الإنسان .. وحرية الإنسان الشخصية .. !!!؟

 مسكين ذلك الإنسان .. كم من المآسي والانتهاكات ترتكب باسمه ، ومن أجل حقوقه.. تلك الحقوق التي يضيق أفقها ، وتتلاشى معانيها ، ولا يجد منها الإنسان العادي في آسيا ، وأفريقيا ، وفي بلاد العرب المسلمين ، سوى شعارات استهلاكية لا تشبع جوعه ، ولا تكسو عريه ، ولا تمنحه أمنه ، ولا ترد له حقوقه ، ولا تحفظ له حياته ، أو تصون له كرامته وإنسانيته التي سحقت تحت أقدام طروحات العالم المتحضر ، وتجاوزت حدود الأديان ، وطمست معالم الفطرة ، ووصلت به الرفاهية ، وترف العيش إلى أن يجد في الشذوذ الجماعي حريته ، وحفظ حقوقه الإنسانية .

 وما بين ترف الحضارة الغربية ... ومأساة شعوب العالم .. تتعدد معاني حقوق الإنسان .. وتتبدل مفهوماتها .. وتتغير ملامحها .. وفق ما تصوغه ، وتحدده لعبة الكبار.

ـ   تعاطي مخدر الماريجونا .. حرية وأمن !!
 قضت محكمة اونتاريو العليا في كندا في 1/8/2000م ، بتعطيل قانون حظر تداول وتعاطي نبات مخدر الماريجونا ، عادة بأن الحظر يشكل انتهاكاً لحق الإنسان ، وحرمانه من الإحساس بالحرية والأمن ـ انتهى الخبر ـ !!!؟! 

أي أمن ..؟ وأي حرية يمكن أن يجدها إنسان فقد عقله ، وخدر إحساسه .. وغاب عن وعيه ليعيش في عالم أوهام كاذبة .. ؟؟! 
أية حقوق تلك التي تبيح للإنسان أن يدمر عقله بيده ، ويغيب عن وجوده بإرادته ليمارس أبشع صور الانحطاط .. ؟؟!! 

ـ   سقوط السيادة الوطنية .. حق إنساني !!
(سقوط مبدأ السيادة الوطنية فيما يختص بحقوق الإنسان ).
 شعار جديد تعمل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على تطبيقه ، ورفعه سلاحاً في وجه حكومات الدول ، وسيفاً مسلطاً على رقابها .. وذلك من خلال التمويل الأجنبي للمراكز البحثية .. والمساعدات المقدمة للجمعيات النسائية والخيرية في دول العالم العربي والإسلامي ( العالم الثالث ، أو النامية ) الأفريقية والآسيوية ، وإلزامها بشروط غاية في القسوة

والصرامة .. التمويل المادي مقابل الخضوع لإشراف الهيئات المختلفة في الدول المانحة .. والرضوخ للهيمنة السياسية .. وتحديد موضوعات البحوث العلمية في مجال العلوم السياسية، والاجتماعية بما يخدم أهداف ومصالح الدولة المانحة ، لا احتياجات ومصالح الدول الممنوحة..
 وقد بدأ هذا التوجه يظهر بشكل واضح علني عقب حرب الخليج الثانية ، حيث أصدر الكونجرس الأمريكي قانون )) تعليم الأمن القومي ((  NSEA الذي رصد له مبالغ كبيرة من أجل دراسة المناطق الأجنبية التي يوجد بها مصالح أمريكية ، أو يمكن أن تؤثر أوضاعها على الأمن القومي الأمريكي ..
 ومن خلال هذا الإطار العام فتح ملف المرأة ، وقضايا المرأة و ( الجندرة ) ، والتمييز بين الرجل والمرأة .. وحقوق الأقليات الدينية .. وبدأ سيل التمويلات الأجنبية يتدفق على الجمعيات ، ومراكز البحوث والدراسات ، فارضة أولوياتها تبعاً لجدول أعمال وأولويات تلك الجهات المانحة ، متجاهلة احتياجات ومتطلبات مجتمعات الدول الممنوحة وشعوبها..ولتعزز عمليات الاختراق ، ولتحطم مجتمعات الدول من داخلها .. وكل شيء مباح من أجل حقوق الإنسان .. !!؟ .

وبعد .. فما هو مفهوم حقوق الإنسان ؟؟
 إنه تركيز للقيم والمبادئ التي ينتهي إليها الفكر الغربي ، والتوجه الرأسمالي في تطوره التأريخي ، ومصالحه المتغيرة ..  
وهو نموذج للمفهومات التي يحاول الغرب فرضها عالمياً على الشعوب الأخرى في إطار محاولته إحكام سيطرته ، وبسط هيمنته ، ومد رقعة نفوذه ، لتحقيق مصالحه القومية ، والسياسية والاقتصادية ، عبر شبكة العلاقات الدولية ، باستغلال مصطلح ( حقوق الإنسان ).. لتدمير الإنسان ، وضرب النظم السياسية ، وزعزعة استقرار الدول التي تتردد في الانضمام
إلى أفرد القطيع ، وتقديم فروض الولاء والطاعـة ، والخضوع والتبعيـــة للنظام العالمي      الجديد..
 وتبقي ( حقوق الإنسان ) سلاحاً فتاكاً يوجه لكل من أراد أن يكون حراً كريماً ، أو يحاول أن يقول :  لا ..


آخر الكلام ..  

     ويبقى السؤال ..
 ترى من الذي حقق للإنسان كرامته ، وحفظ له حقوقه ، وحمى حريته ، ووفر له الأمن والأمان والسعادة ..؟
 الإسلام الذي جعل حفظ ذلك كله من الضرورات التي أوجبتها مقاصد الشريعة ، وأمرت بحفظها .. !؟
أم حضارة العولمة التي حولت الإنسان إلى كائن لا يجد أمنه ، ولا يحقق حريته ، ولا يحصل على سعادته إلا إذا غاب عقله ، وشذ في مسلكه ، وتجاوز القيم كلها ـ!؟!.

 

 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. مسفر بن علي القحطاني