حصاد المسير
د. سارة بنت عبدالمحسن
زوار : 2037  -   7/2/2007
 
 

خطوة ...خطوتان... ثلاث...
ويمضي بنا الطريق ..  ولكن .. إلى أين ؟ . وعلى أي طريق ..؟
تتعدد الطرق ، وتتشعب المسالك .. بين درب سهل ممهد ، وطريق وعر مليء بالعثرات والعقبات ، وآخر يمتد إلى غير نهاية ، ودرب يوصل ولكن إلى لا شيء .. وغيره ينقطع في أوله ، أو في وسطه ، وربما قبيل آخره ..
وهكذا هي دروب الحياة .. تبدأ بخطوة .. ويبقى ما بعدها حصاد المسير ..
       وهنا نقف لنقول : ـ إذا كانت نهاية الطريق هي المحصلة لأوله .. فلابد أن يقف المرء مع بدايته ، لينظر ما وجهته ..؟ وأي نوع من الطرق هو سالك ..؟ وإلـى أين يمضي به ..؟ وإلى ما يوصله ..؟ وهل هو مؤهل للمضي فيه ..؟
     فحياة الإنسان ما هي إلا طريق ، إن لم يحدد مساره ، وتتضح غايته ومقصده كان الضلال ، والضياع ، والتخبط ، والتيه ، والعبث .
     فكم من جهود تبعثرت ، وخطى ضاعت ، وطاقات استهلكت في غير ما طائل ، لأن الطريق لم يستبن ، أو أن الهدف لم يحدد ، أو إنه استتر خلف غبش رؤية بصر زائغ ، أو مشتت ، أو ربما كان هدفا حالما يفوق القدر والطاقة .
      ومن ثم كان لزاما على كل عاقل يعي قيمة وجوده أن يكون له في حياته هدف محدد ، وغاية واضحة يسعى لتحقيقها قبل أن يخطو في الطريق .
      والمسلم أكثر من غيره يدرك تماما بأنه ما خلق عبثا ، ولا وجـــد لغير مقصد ، أو غايـة ( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) سورة المؤمنون/آية 115 ـ  ، بل هو يوقن بأن الحياة بما فيها كله إنما خلقت لهدف وغايـة ( وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين )  سورة الأنبياء/آية 16 ـ ؛ أما هو ـ الإنسان ـ  فقد خلق لهـدف عظيـم ، وغاية سامية ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) سورة الذاريات/آية 56 ـ  .
     والإنسان ـ المسلم ـ لا يمكنه أن يحقق وظيفته في هذه الحياة إلا إذا حقق الغاية و الهدف الذي خلق من أجله ؛ لأجل هذا ، نجد أن الآيات القرآنية التي تتحدث عن خلق الكون، وتهيئة الظروف الملائمة للحياة مرتبطة ارتباطا عميقا بالدور الذي خلق الإنسان من أجل تحقيقه ؛ فالغائية ، والنظام ، والإعمار ، والقصد مقومات أساسية لأي نشاط حضاري فعال ، وهادف ، ومنظم ، ومتطور . 
     فالمسلم إذاً غائي ، تتمحور حياته حول هدف أسمى ، هدف رباني يحمل خصائص إيمانية ترتفع به إلى مستوى عقيدته ، وإيمانه ، وتحقق له إنسانيته المتميزة أولاً ، وتحقق له السعادة في الدنيا ، والفوز بالآخرة ثانياً.
   وتحقيق الهدف ، ونيل السعادة يحتم أن تلتقي  حركة الإنسان مع هدفه ، فإن إختلفت الحركة عن الهدف ، أو لم يلتقيا ، وجد الإضطراب ؛ فكل حركة في حياة المسلم لابد أن تحكم في الأساس بوجود هدف يقيني لايشوبه غموض ، معروف لايمازجه جهل ، حقيقي لا يداخله وهم ، أصيل لا يفسده تقليد ، ممكن لا يطفئ جذوته محال .
والهدف ، قد يكون في بدايته أمنية تكبر وتتضخم حتى تملأ قلب وعقل وحياة صاحبها ، وتجعله يندفع في طريقها دون تبصر ، أو روية ، أو محاولة لمعرفة حدود الوسع والطاقة والإمكانية . فقد أختلط الهدف بالأماني ، وتلاشت بينهما الحدود ، وأصبح من الصعب النزول به ـ الهدف ـ من عالم الأماني إلى عالم الواقع ؛ ومع مرور الوقت ، وطول الإنتظار تبدأ بوادر العجز ، وضعف القدرة ، وقلة الإمكانات تلوح في الأفق منذرة .
       وهنا ، تبدأ قوافل القلق ، وجيوش الحزن تهاجم القلب ، وتجهد العقل ، وتوهن البدن ؛ ولا وصول إلى شيء ... وعندها ، إما أن يصاب المرء بيأس فيقعد ، وإما أن يتحول عن هدفه إلى شؤون الحياة المختلفة لشعوره بالفشل .
     والفشل هنا ـ وفي كثير من الأحيان ـ لا يكون لعيب في الشخص نفسه ، أو قصور في سعيه ، أو سوء في نواياه ؛ لكنه غالباً ما يكون لقصور في معرفة حدود الإمكانات ، والقدرات ، وتقصير في دراسة الواقع ، ووضع الأهداف المتناسبة مع ذلك كله .
     ذلك أنه من الضروري أن تكون هنالك مواءمة بين الهدف ـ أو الأهداف ـ المنشود والإمكانات والآليات المتاحة ؛ فالإنسان حين يرسم لنفسه أهدافاً تفوق طاقاته فإن هذه هي الخطوة الأولى على طريق العجز ، ومن ثم الفشل والقعود .
     وفي مقابل هذا ، نجد من يضع لنفسه أهدافاً سطحية تافهة ، لا يمكن أن تحقق شيئاً ،أو تحدث تغييراً ، وبالتالي فإنها تنتهي بصاحبها إلى المصير نفسه الذي انتهت أهداف الأماني بصاحبها إليه . فالإعتدال إذاً مطلب أساسي في رسم الأهداف المبنية على دراسة علمية ميدانية ناضجة معقولة . ذلك أن الأهداف إذا لم تتوافر فيها الشروط تلك جميعها ـ الوضوح، التحديد ، الواقعية ، الإمكانية ـ تحولت إلى انهزامية أماني معلقة تأبى النزول إلى أرض الواقع ، فتغتال صاحبها بسيف الإحباط واليأس ، وتنقله من عالم التفاعل والسعي والعمل الجاد، إلى دائرة ضيقة من الجمود والإنحسار.   
     مع التأكيد على حقيقة عقدية هامة هي: أن على المرء المسلم أن يعمل ، ويجتهد في السعي نحو تحقيق أهدافه السامية ، مع بذل الوسع والطاقة ، لكن دون الركون إلى النتائج أو انتظارها، لأنه مطالب أن يعمل سواء تحققت أهدافه أم لم تتحقق ؛ فهو قد تربى على منهج عقدي يعلمه أن عليه العمل والإجتهاد ، أما النتائج فهي لله إن شاء حققها له في الدنيا ، أو أدخر له أجرها في الآخرة ، أو جمع له الدنيا والآخرة ؛ مع الإلتزام بأن تكون الوسائل المستخدمة في تحقيق الأهداف وسائل عملية مناسبة صحيحة صائبة وشرعية ، لأن العمل إذا كان خالصاً و لم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل ، حتى يكون خالصاً وصواباً كما قال الفضيل بن عياض .
     ذلك أن عدداً من الناس ينتهج في الوصول إلى أهدافه وسائل غير شرعية ، وهذا في حد ذاته خطأ منهجي يفسد الهدف ، ويضيع النتيجة ، فالإسلام لا يتعامل مع قاعدة : الغاية تبرر الوسيلة . 

وقفة تأملية ..
الفاعلية في الحياة الحضارية لا تتحقق إلا بالفهم العميق لطبيعة العمل الذي يقوم به الإنسان، ودوره في الحياة ، ووضوح الفكرة التي يؤمن بها ، وتحديد الأهداف التي يسعى لتحقيقها ، والغايات التي يعمل لأجلها ، وإستشعاره لمسؤوليته أمام الله .
 وعندما تشعر بأنك قريب من أهدافك ، إجتهد لأن تكون قريباً من الله.    

 

 

 

الإسم  
الدولة  
البريد الإلكتروني   
تقييم الموضوع  
التعليق  
رمز التفعيل


 
 
 

د. سارة بنت عبدالمحسن